العرض في الرئيسةفضاء حر

من أرشيف الذاكرة .. عن يناير 2011

يمنات

أحمد سيف حاشد

توطئة

– الكتابة عن هكذا مرحلة تبدو حساسة و محذورة، و تدوينها يشبه بمن يعبر على حبل، بين جبال شاهقة، تتخللها مهاوي سحيقة، و محاذير كثيرة، لاسيما في ظل أوضاع هذه الحرب التي نشهد رحاها، و خارطة سياسية شديدة التعقيد، و محيط من المؤامرات التي تستهدف الوطن و مستقبله، و أطراف محلية لازالت كل منها تريد أن تتملكك أو تسحقك، أو على الأقل و في أفضل الأحوال، تخيفك وتنال منك و مما تكتبه؛ لأن مصالحها تتعارض معك، و مع ما تريد أن تخرجه للناس من حقائق، و هي حريصة كل الحرص أن لا يرى الناس فيها، زيفها و زورها و كذبها و تلفيقاتها، و ذلك في إطار استهدافها البغيض، للحقيقة و التاريخ و المستقبل، لاسيما أن تلك الأطراف لازالت تمتلك الكثير من مؤثرات السلطة و السطوة و الدعم و النفوذ و الممكنات، ليس فقط ما تسفهك فيه، و تلوث طهر ما تكتبه، بل و القدرة على أن تنكبك أو تقتلك، حيلة أو غيلة أو مجاهرة..

– و أزعم أنني هنا فقط أحاول و بهذه “المسودة” أن أجمع بعض الأشتات، و أبدأ مشوار الألف ميل بخطوة، متوطنا العزيمة ما أمكن من الموضوعية، و الانحياز للتاريخ و الحقيقة ما استطعت، و كاشفا ما كان يجوس في نفسي، و يتأجج من تمرد في أعماقي، و ما يدور و يعتلج في دواخلي من صراع، و ما يعترى مسيرتنا من إخفاق و محبطات، و ما رافق هذه المسيرة من انحراف عما كنّا ننشده من حلم الدولة المدنية الحديثة و الديمقراطية، و عمّا كنّا نحمل من أحلام كبار، و سقف توقعات باتت في نتيجتها صادمة بالنسبة لنا، و هي ترتطم بالواقع الصلب و الصعب في آن، و تتهشم أمام عيوننا على نحو يدمي العيون و يكسر القلوب..

– و سيتخلل ما أكتبه الإجابة عن كيف تم الإيقاع بنا نحن الحالمين، و كيف تمت سرقة أحلامنا و تطلعاتنا، و كيف أستمرينا أوفياء لما نحلم و نعتقد دون نكوص أو ارتداد أو استسلام، بل و الوقوف في وجه كل الظروف الساحقة، و العقبات الغاضبة، و الأقدار الصادمة، خلال تلك المراحل و المنعطفات و التعرجات التي كانت علينا قاسية و مكلفة، و باهظة الثمن علينا و على الوطن..

……………………………………

15 يناير 2011

– في يوم انتصار الثورة التونسية في 14 يناير، وجه عدد من الناشطين، أذكر منهم بلقيس اللهبي، دعوة للتجمع في 15 يناير أمام السفارة التونسية لمباركة انتصار ثورة تونس، و قد بادر و شارك فيها عدد من طلاب جامعة صنعاء، و حضر فيها زميلي د. عيدروس النقيب عضو مجلس النواب .. و قد تعرض ذلك التجمع المتواضع للقمع..

– أذكر أنني شاهدت الخبر من أحدى القنوات الفضائية، على الأرجح من قناة الجزيرة، تخلله لمحة قمع و إرغام من قبل السلطات .. كان مشهد إيقاعه مؤثرا على وجداني، و ربما حملتني تلك اللمحة أو اللحظة على الندم أنني لم أكن حاضرا فيها، و تطلعت إلى تكرار المحاولة في اليوم الذي يليه، و هو 16 يناير 2011.

– يوم 15 يناير عصرا، كنت قد ألتقيت بعدد من طلاب جامعة صنعاء في مقيل بالمنزل الذي أقيم فيه، و عقدنا العزم على أن نثور، و تم صياغة بيان أظنه كان باسم طلاب جامعة صنعاء، أو باسم الثورة الشبابية دون أن نقرنها باسم الشعبية، و الأهم أن أسمينا ما نفعله بـ”ثورة”.. و بدأ الطلاب بإعداد ما يلزم لليوم الذي يليه، و تم استخدام الفيس بوك، و رسائل الموبايل، في الدعوة و الحشد .. كما صدر أيضا بيان لقطاع طلاب الاشتراكي في 15 يناير اسماه “بيان الثورة”.

– توكل كرمان قالت أنها فوجئت باتصال من بعض طلاب جامعة صنعاء صباح يوم 15 يناير، طلبوا منها الحضور معهم أمام السفارة التونسية، مع بعض نشطاء حقوق الإنسان، و بالفعل حضرت معهم، و بعد ما حدث من اعتداء عاتبت الطلاب على عدم التنسيق و الحشد الجيد، و طلبت التنسيق جيداً لليوم التالي، من أجل الإعداد الجيد لهذه المناسبة..

– و يقول الشاذلي البريهي في شهادته: تجمع عدد من الطلاب امام كلية الاعلام، و خرج فخر العزب و طبع شعارات على ورق A4، و كان عددهم 11 فرد، منهم رائد الفضل، و فخر العزب، و محمد المقبلي، و رداد السلامي، و محمد الجرادي، و شاجع هصام، و البقية لا اعرفهم بالاسم، و حينها تم التواصل مع حمدي البكاري، الذي خرج لتغطية مسيرتهم المتواضعة.

– و أضاف: في عصر 15 يناير، تواصل بنا القاضي احمد سيف حاشد و التقينا في بيته، و حينها اخبرنا القاضي حاشد بأنه تواصل مع توكل كرمان و نسق معها، و اتفقنا نخرج الى السفارة التونسية صبيحة 16 يناير2011 م.

– و يضيف الشاذلي البريهي في شهادته عن يوم 15 يناير 2011: تجمعنا نحن الطلاب امام بوابة جامعة صنعاء الجديدة، و تحركت مسيرتنا الى السفارة التونسية، و عدنا من السفارة بعد الظهر برفقة ميزر الجنيد، و اخذنا الى مطعم العزعزي للعصيد، ثم تحركنا مع ميزر، و فخر العزب، و بسام الحداد، و شهاب محرم، و اخرين الى منزل القاضي احمد سيف حاشد، و اتفقنا على إعداد و اصدار بيان، و تم اصدار البيان..

– و في شهادة عصام شبيط ورد أنه في مساء 14 يناير كنا نسكن جميعاً عند الرفيق بسام الحداد، و وصل ميزر الجنيد، و قال سقط زين العابدين، و سيسقط علي صالح، و كان حاضرا حينها بسام الحداد، و عيسى البراق، و ابراهيم الازرقي، و كلهم من القطاع الطلابي للحزب الاشتراكي، و صيغ بيان باسم القطاع الطلابي للحزب الاشتراكي، و بعدها تم نشره في موقع الفيسبوك، و تم نشره بعد يومين في صحيفة “النداء”، و تم توزيع البيان بتاريخ 15 يناير 2011م في جامعة صنعاء من قبل ماجد السامعي و عبدالرؤوف الشرعبي، و معمر المخلافي، و لم اتذكر البقية، و قمت انا بتوزيعه في أحياء شارع هائل.

– و أضاف: بعد ظهر 15 يناير ارسلت توكل كرمان في “الفيس” الى الرفيق بسام، و قالت فيه، “اعجبني البيان حقكم، ممكن نتعاون” .. حدثني بذلك بسام الحداد في 15 يناير، بعدها أوصلت بالسيارة في نفس اليوم بسام الحداد و ميزر الجنيد، الى مقر “صحفيات بلا قيود”، ثم تم التواصل مع النائب احمد سيف حاشد، و قررنا الخروج اليومي، و اتذكر من الشباب ميزر الجنيد، و عيسى البراق و ابراهيم الازرقي و بسام الحداد و شوقي الجندي و محفوظ القاسمي و محمد العزب و شهاب الشرعبي و شاذلي البريهي و محمد المقبلي و هشام المسوري و عبدالرؤوف الشرعبي و عمر القاضي و معمر المخلافي و فارس القدسي و صامد السامعي و و مروان عبد الخبير و سميح الوجيه و عارف الصبري و محمد قائد الصبري و ماجد السامعي و قاسم الجعشني و مهيوب الجعشني و آخرين لا تحضرني الآن اسماؤهم..

– و أصدر القطاع الطلابي للحزب الاشتراكي في 15 يناير 2011 بيانا أسماه بيان الثورة جاء فيه:

يتابع الشارع اليمني و معه احرار العالم اليوم الثورة السلمية التونسية للإطاحة بالنظام الدكتاتوري المتسلط في تونس..

يا شباب اليمن الاحرار اننا امام مشهد يستدعي منا التحرك العاجل للإطاحة بالنظام القبلي المتسلط على رقابنا منذ ثلاثة و ثلاثون عام، و يتطلب ذلك منا التمسك بخيار النضال السلمي الديمقراطي للانتصار لإرادتنا، و تحمل تبعات هذا الخيار الاجدى للتخلص من الطغيان، إن ارادة الشعوب لا تقهر، و ان تاريخ شعبنا في التصدّي للاستبداد و الطغيان تاريخ حي و ناصع و مثال للاقتداء.

نحن شباب اليمن نحي بإكبار و اجلال رمز البطولة و الثورة التونسية شهيد الحرية و الديمقراطية العربية البطل محمد البوعزيزي، و على الشباب العربي ان يستلهم الثورة من النموذج التونسي الذي قدم نموذجاً حياً للعالم في الانتصار لحقه في الحرية و كرامة العيش..

إن مواكب التغيير قادمة لا محالة، و على خيول الافك و الاستبداد ان ترحل قبل ان ترفسها احذية القادمين التواقين للحرية، و على كافة الشباب اليمني الحر بكافة أطيافه و مؤسساته و نقابته الاطلاع بدورة التاريخ و الانطلاق نحو استرداد الحق المحاصر من قبل فراعنة الحكم الذين يحاولون وأد ما تبقى من الثورة و الجمهورية.

اننا نطالب اليوم من زعماء التسلط و الاستبداد ان يستجيبوا لنداء العقل و قوانين المنطق، و ان يسلّموا سلطة الشعب للشعب، و أن يرحلوا قبل ان يُرحّلوا، قبل فوات الاوان، و بهذا الصدد نحذر النظام من استخدام العنف في وجه الثورة السلمية، و إراقة دما الابرياء و المنافحين عن الحق.

صادر عن القطاع الطلابي للحزب الاشتراكي اليمني

15/1/2011

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نحن الحالمون الذين لا يمكن ترويضهم أبدا

أحمد سيف حاشد

(1)

نحن الحالمون الذين دأبنا و لا زلنا إلى اليوم ندأب و نحاول تجاوز قبح و بشاعة الزمان و المكان .. نحن الذين نثور أو نحاول أن نثور أو نرفض القبول بقبح هذا الواقع بكل مسمياته، و سلطاته المفروضة بالمخادعة و الاحتيال، أو بالقمع و السطوة و الغلبة.. 

(2)

نحن الحالمون الذين رفضنا و لا زلنا نرفض هذا الواقع المفروض علينا، بكل عناوينه و مسمياته، و مخاتلات و انتهازيات نخبه السياسية المقامرة، و الغارقة في التفريط، و الخيانة، و السقوط بكل مسمياته، و منها تلك التي ارتضت أن تكون مساحيق تجميل لتخفي القبح و الدمامة عن وجوه ساستنا المتوحشين، و تبرير بشاعات هذا الواقع الموغل في القبح و الوحشية..

(3)

نحن الحالمون الرافضون للظلم و القهر و الاستعباد و الوصاية و الاحتلال بكل أشكاله و تنكراته و كنايته، و أسمائه الخفية و المعلنة .. الحالمون هم أولئك الذين لا يتعفنون مهما طالت الأيام بأعمارهم، و أثقلتهم الحياة بأحمالها و نكباتها .. لا يكلّون و لا يملّون النضال و الرفض حتى الرمق الأخير، و آخر نزع نحو الرحيل..

(4)

نحن الحالمون الذين ربما نُخدع قليلا من الوقت بسبب تسامحنا و نقاء سرائرنا، و ربما لأننا وثقنا بمن لا يستحقوا ثقتنا .. لكننا لا نلبث أن نستفيق، ثم نرفض و نقاوم و نثور على المتسلطين، بما فيهم أولئك الذين كانوا منّا، ثم تحولوا و صاروا نخاسة أو متعيشون، أو الذين كانوا يدّعون إنهم جزء منّا، ثم ذهبوا يبحثون عن السلطة، و العطايا، و الثمن الملوث، مقابل ما أدّعوه يوما من رفض و مقاومة و ثورة..

(5)

الحالمون هم الكدودون الأشقياء المعذبون في هذه الأرض، الذين عاشوا حياة كانت على أصحابها مكلفة و باهظة .. هم الأرواح القصية، و النفوس الغنية بأخلاقها و مبادئها، و التي ترحل عن هذه الحياة و هي عصامية و زاهدة .. عزيزة و عفيفة .. الباحثة دوما عن راحة الروح، و رضى الضمير..

(6)

نحن الحالمون العاشقون لفضاءات الحرية التي ليس لها متسع، و الكرامة التي لا تقبل الانحناء .. الحالمون هم من يملكون أرواح قلقة لا تهدأ و لا تستكين، طالما ظل في هذه الأرض فساد يعيث، و سلطة تعبث، و سطوة تبطش، و ظلم يعيش على هذه الأرض..

(7)

الحالمون هم العصيّون على التدجين و الاحتواء و الإرضاء .. ليسوا هم من أولئك الذين قال عنهم المثل “لا يعجبهم العجب” بل هم العجب ذاته .. هم التفرد و الاستثناء الباحث عن المستحيل، في واقع يزدحم بالظلم و البشاعة و التعاسة.

(8)

الحالمون الذين نزعم الانتماء إليهم هم أولئك الذي قال في وصفهم الروائي البرازيلي “باولو كويلا” “لا يمكن ترويضهم أبدأ”..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من أرشيف الذاكرة

يناير 2011 .. البداية من الجامعة

أحمد سيف حاشد

(1)

– خرجت مع رفقائي في 16 يناير 2011 حالمون بالتغيير .. ليس بالتغيير على عواهنه، بل بالتغيير الذي نريد .. لم يكن هذا هو خروجي الأول، بل حياتي كلها كانت سلسلة طويلة من التمرد، و المقاومة، و الخروج على ما هو واقع و سائد و مفروض.. في البيت، و في المدرسة، و في الجامعة، و في العمل، و في كل منعطفات حياتي، و لازلت كذلك إلى اليوم.

(2)

– أشعر أحيانا أن حياتي تعبت مني، و لكنني أظل ممعنا في إثقالها بالمزيد .. أتعبت معي أسرتي، و أتعبت أيضا أخريين ممن يحبونني من الأقرباء و الرفاق و الأصدقاء المقربين .. و لكنه قدري، و ربما هي أقدارهم أيضا..

– أضطر أحيانا للتوقف لأستعيد أنفاسي، أو لأتبين المكان الذي أقف عليه، و أتأمل و أحدج ببصري فيما يحيطني أو يحيط بي .. ربما أتراجع أو أراجع فيه بعض مواقفي .. و ربما أضطر أحيانا مرغما لتخفيف سرعتي، و التمهل، أو أجد نفسي بحاجة لأن أستريح قليلا من الوقت، استراحة محارب، ثم ما ألبث أن أنهض و أوصل السير من جديد على العهد و الوعد الذي قطعت يوما على نفسي..

(3)

– أحيانا أعترك مع نفسي، و أحيانا أشعر بسيل من الإحباط يجتاحني .. و أحيانا أخرى أشعر بانكسار و خذلان ساحق، و في أحايين أخرى يوجه لي الواقع صفعات قوية و صادمة، و لكن مجرد ما أنام و أستيقظ تكون تلك المشاعر السلبية قد غادرتني، أو على الأقل جلّها قد غادر بعيدا عني دون عودة، و البقية أتعايش معها و تتلاشى و تزول مع مرور الأيام..

– يتجدد التعب كل يوم و يعقبه النوم الذي يخفف عني بعض من وطأة ذلك التعب .. التعب و النسيان يتجالدان، و تستمر الحياة بكل ما فيها من تناقض و صراع، بل يتبدّى لي أن ذلك الصراع، و تلك التناقضات نفسها إنما هي الحياة ذاتها التي نعيشها أو هي قوانينها التي لابد منها..

(4)

– المرة الوحيدة التي اعتركت فيها مع نومي أربعة أيام متوالية، بلغت حد القطيعة معه، شعرت بشحنات الكهرباء تكاد تفجر رأسي، عصبيتي كانت مجنونة، و تصرفاتي كانت حمقى إلى حد بعيد .. يومها فقط أحسست بمعنى و خطورة التعذيب، بالحرمان من النوم..

– أرغمتني تلك القطيعة مع نومي على زيارة صديقي الدكتور عبدالرحمن سلام، و هي المرة الوحيدة في حياتي التي أزور فيها طبيب أخصائي أمراض نفسية و عصبية، و قد أعاد لي النوم من اليوم الأول، إثر هذه الزيارة..

(5)

–  ممارسة السياسية في بلاد مثل اليمن مكلف جدا، لاسيما إن كان هذا الذي يمارسها حالم، و أحلامه تتصادم مع واقعه، في ظل غياب واسع للوعي، و مال سياسي متدفق، و فساد مهول، و عوز و فقر عارم في المجتمع..

– و زائد على هذا، وجود نخب هشة، و مثقف سهل الاستقطاب، بل و التماهي مع من يدفع أي كان .. مثقف مستعد أن يبيع من أول عرض، أو يفعل أي شيء، طالما هذا الشيء يعيد عليه بمردود ما، كان ماليا أو وظيفيا أو مزايا أخرى..

– و في مجملها تلك المزايا والعطايا و الرشاوي، تهين المثقف و تستبيح ضميره و كينونته، و تحوله إلى منافق دجال، ولاعق أحذية، و تسقط الدور الطليعي الذي ينبغي أن يضطلع به، و تحوله إلى خائن للقضايا التي كان يفترض أن ينهض بها، أو يدافع عنها، و عن الشعب الذي يفترض أن يكون طليعيا له .. و الأكثر أنه يعمد بمثابرة إلى تزييف وعي الشعب، و يتوطأ مع مرتكبي الجرائم، و البشاعات، بحق شعبه، إلى الحد الذي تجعله شريك فاعل فيها..

(6)

– كنت أحمل أثقال المظالم على كاهلي، وأذهب بها من الحكومة إلى البرلمان .. كانت تلك المظالم ليست مظالم تخصني لوحدي، بل تخص كثير من الناس ممن أتبني قضاياهم، أفرادا و جماعات و فئات و مجتمع .. كانت تلك المظالم ثقيلة وصارخة، لا لبس فيها و لا عليها غبار .. و كانت تثقلني أكثر تعنت و كبر و غرور أجهزة السلطة التنفيذية، و رجالها المتغطرسون، و من خارجها أولئك المدعمين بالنفوذ و السلطة و الجاه..

(7)

– كنت ألوذ من الحكومة إلى البرلمان، و أشكوها إليه، لعله يفعل شيء، و لكن كان تعاطي البرلمان معها هو للتنفيس أو التخدير المؤقت، و أنتهي منه في الواقع ليس فقط إلى لا شيء، بل إلى ما يشبه السقوط و الارتطام بالقاع من علو شاهق، أو الاصطدام الشديد بحائط خارساني صلد..

– كانت تنتهي تلك المظالم إلى مزيد من الخيبة والقهر و الشعور بالإرغام .. كنت أخرج من كل قضية في البرلمان مهشما و موجوعا و محطّما، و في المقابل كان هناك ظالمون يحتفون بانتصارهم .. منتشيون و مختالون كالطاؤوس .. كنت أكابد القهر و الكمد و الخيبة الصادمة عقب كل معركة أخوضها في البرلمان..

(8)

– ثم أحمل أثقال المظالم مرة أخرى من البرلمان إلى القضاء، و لكن أنتهي إلى خيبة أشد .. و لطالما تمنيت أن يكون القضاء الذي انتميت له يوما، مرجعية للجميع، و لكن لم يحدث هذا .. كان القضاء دوما كرباجا بيد السلطة، تستخدمه في المقام الأول ضد معارضيها، و من لا يروق لها..

– خرجت من كل هذا بخلاصة تقول: إن من يحكم هذه البلاد هي عصابة في المقام الأول، و هو نفس شعوري اليوم حيال سلطات الأمر الواقع كلها في اليمن .. ستكتشفون لاحقا إنها كانت مجرد عصابات، بل أكثر من ذلك..

– في يناير 2011 عندما لاحظت وجود بوادر حراك في جامعة صنعاء، قلت هنا يجب أن تكون وجهتي، و ملاذي، و من هنا يجب أن أنطلق..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من أرشيف الذاكرة

ما قبل فبراير 2011

أحمد سيف حاشد

– لطالما انتقدنا و احتجينا و اعتصمنا، و مارسنا كثير من المعارضة، في إطار الهامش المتاح، و حتى في حدود هذا الهامش المتاح، تعرضنا للقمع و الانتهاك لحقوقنا و لكثير من ممارسة التضييق و المضايقات .. و رغم محدودية النتائج، و ربما انعدامها في أغلب الأحوال، و هو انعدام في جزء منه كان يدعو لليأس و الإحباط، إلا أنها في مجملها كانت مهمة في صنع تراكم كان له شأنه و نتائجه سلبا و إيجابا في العام 2011..

– كان لما حدث في تونس وقعه على النفوس .. كان إيقاعه و شجوه في وجداننا يحث على فعل شيء مثله في اليمن .. كانت مشاعر جارفة تجتاحنا .. و كانت الصورة التي أمامنا أن شعب تونس ثار سلميا على الفساد و الظلم و الانتهاكات، و أن حاكم فاسد و مستبد محمي بأجهزة قمع متعددة، أستطاع شعب تونس سلميا أن ينتصر عليها مجتمعة، و على نحو غير مسبوق في المنطقة العربية..

– كان انتصار شعب تونس في 14 يناير 2011 قد أعطانا أمل كبير بإمكانية تحويل ما كان يبدو بحكم المستحيل إلى واقع ممكن التحقيق، و أن التغيير السلمي للواقع التي فرضته الأنظمة بالقمع متأتيا إذا ما توفرت الإرادة، و أن هذا الواقع المفروض، ليس قضاء و قدر ينبغي الاستسلام له..

– و كان لما ردده ثوار تونس أثناء ثورتهم لإسقاط نظام ابن علي “إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر .. و لابد لليل ان ينجلي و لابد للقيد ان ينكسر” وقعه على وجداننا و على إرادتنا أيضا، و زاد هذا الشعور مع انتصار شعب تونس سلميا على نظام حكم “ابن علي” القمعي.

– وجدت نفسي مع الآخرين في 16 يناير 2011 و ما بعدها أهتف بها، و هي بالمناسبة مطلع قصيدة للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، و كانت تلك القصيدة جزء من المنهج الدراسي المقرر في الابتدائية، وكنت قد حفظتها و تغنيت بها في تلك المرحلة الباكرة من حياتي.

– و كان لقصة احراق المواطن التونسي المكافح و البسيط “بو عزيزي” و التي ألهبت و ألهمت ثورة تونس، أثرها الوجداني على نفسي، لاسيما أنها استجرت ذكريات كثير من قضايا و معاناة البساطين و الباعة المتجولين، الذين كان يتم قمعهم و الاعتداء بوحشية على ممتلكاتهم في صنعاء من قبل السلطات، و إحراق محلاتهم و بسطاتهم في سيلة عدن .. و قد تبنيت أنا و صحيفتي “المستقلة” كثير من قضاياهم، و انحزت إليهم، و كتبت عنهم..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع ..

 

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى